17 - 07 - 2024

مؤشرات | غزة وتعرية الفجوة بين الشعوب والحكومات

مؤشرات | غزة وتعرية الفجوة بين الشعوب والحكومات

في رسالة قصيرة أبلغني صديق عزيز في غزة أن قصفا صهيونيا استهدف المنزل المجاور له لتصل شظايا الإنفجار إلى أسرته ليصابوا جميعًا، والأخطر إصابة زوجته بشظية في المخ، وتدهور حالتها، الأمر الذي يستدعي ضرورة العلاج خارج غزة، ولكن ليس هذا سهلاً.

وأنهى صديقي رسالته بعبارة أستطيع أن أفسرها في هذه العبارة (صمت الجميع فدمرت إسرائيل غزة عن بِكرة أبيها)، حيث أوضح أن أمنية الناس أن يتوقف القصف (العدوان) الذي يخيم عليهم ليل نهار وسط، وليس لنا إلا أن نقول الحمد لله.

وتتبع إسرائيل سياسة الأرض المحروقة لتلهي الفلسطينيين سنوات في إعادة تعمير ما تبقى من بلدهم، والذي أعلنت الولايات المتحدة أن الدول العربية وتحديدًا دولا بعينها هي من ستدفع الفاتورة.

وقبل أيام استقيظ أهل منطقة دوار فلسطين في غزة التي تعتبر من أرقى المناطق على تدمير شامل للحي، بعد إخلاء سكانه من بيوتهم، ليجد السكان حيهم أطلالاً بعد انسحاب القوات الصهيونية منه، في تأكيد على سياسة الصهاينة (الأرض المحروقة) ليدفع الفاتورة آخرون.

وتلك عملية من مئات بل آلاف العمليات التي ارتكبتها وترتكبها القوات الصهيونية ضد الفلسطينيين، وسط صمت عالمي وعربي، ودون اتخاذ إجراءات عملية ودون إستخدام كل أوراق الضغط ضد العدوان الصهيوني (الأمريكي).

الموقف هنا يتساوى فيه الجميع، من دول عديدة ترتبط بعلاقات مع الكيان الصهيوني، وأخرى لا ترتبط بأي علاقات، وهو لسان حال كل الفلسطينيين والعديد من فئات الشعوب العربية، فقد رفع الجميع مصالحهم الخاصة على أي مصلحة أخرى، وإن كان الثمن هو كل الدم الفلسطيني.

الشاهد في كل هذا هو أن الهوة تتسع يوما بعد يوم بين الشعوب ومواقف حكوماتها، ومن يقل غير ذلك فهو يكذب على نفسه، وتتساوي كل الشعوب في ذلك، فالغضب وصل إلى منتهاه من تلك المواقف (المايعة)، وتلك التي تمسك العصى من المنتصف.

الكل يختبئ وراء (شعار المساعدات) والقول أننا نعمل على تقديم العون للفلسطينيين (تحت القصف اليومي) ومطالبة المجتمع الدولي بدوره في حماية الشعب الفلسطيني، وفتح المعابر أمام تدفق المساعدات، في وقت تقدم فيه الولايات المتحدة الأمريكية كل الدعم لإسرائيل بشكل علني، وإعلان أنها ستبقى تحمي (الصهيونية) بكل ما تملكه من قوة، وتستخدم قوتها الدبلوماسية ضد كل ما شأنه أن يوقف العدوان، بل حتى ضد تدفق المساعدات.

وعلى الجانب الآخر يقف العرب وغيرهم موقف (الصامت)، بل أحيانا الخائف، من اتخاذ أي خطوة من شأنها وقف النزيف الفلسطيني المستمر ليصبح دمه مباحا، وهو ما زاد من اتساع تلك الهوة بين الشعوب وحكوماتها.

قد تكون هناك مواقف رسمية للدول بشأن العدوان على غزة، ولكن هذه المواقف تبقى عند حدود البينات والتصريحات والكلمات في القمم والإجتماعات، دون إستخدام كل أوراق الضغوط، خصوصا ما يتعلق بالدبلوماسية، أو الإتفاقيات والعلاقات التجارية والإقتصادية.

القضية لا تتعلق بخوض حروب وإرسال قوات، فهذا أمر مستحيل، وغير وارد في ظل تلك القيود التي فرضتها دولنا على أنفسها، بل الباب مفتوح لإستخدام أدوات أخرى مثل تلك التي تستخدمها الدول الداعمة للكيان الصهيوني.

مؤخرا إتخذت ماليزيا موقفا يدعم الفلسطينيين بمنع مرور أي سفن إسرائيلية أو تحمل العلم الإسرائيلي بموانئها، ودول أخرى اتخذت مواقف دبلوماسية ضد إسرائيل إعتراضا على العدوان الصهيوني، مثل تشيلي، وكولومبيا، وهندراوس، و بيليز، وبوليفيا.

هناك 57 دولة عربية وإسلامية، كانت ومازالت تستطيع أن تفعل شيئًا مثل هذا وأكثر، ولكن ما فعلته إما أن يأتي متأخرًا، أو يأتي بأقل كثيرا من الطموح الشعبي، وهو ما أسهم في اتساع الفجوة بين طموحات الناس والأنظمة، وإصلاح هذا الخلل سيحتاج للكثير من الوقت.

أي خلط هنا بين حماس التي مازالت ترى حكومات أنها مزعجة ، -وقد يكون هذا صحيحًا-، وبين ما يشهده الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية من قتل وتصفية وتدمير بالقصف الصهيوني، فالقضية مختلفة كليًا، وتستحق مواقف حماية وليس بيانات إدانة.

والكراهية الشعبية لم تتوقف على الداخل فقط بل امتدت لكل تلك الدول الداعمة للصهيونية، في تأكيد على أن كراهية المعتدين ومن يدعمهم لا تتجزأ.

أتمنى أن يقوم مركز مستقل وبحرية كاملة بإجراء إستطلاع رأي للوقوف على حقيقة مواقف الشعوب من مواقف الأنطمة والحكومات، ليكون ورقة لدستور علاقة حقيقية بين الشعوب والحكومات، في المرحلة المقبلة، بدون تبويس وطبطبة.
---------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا